السبت، 1 سبتمبر 2012

الروائية رباب كساب: أبحث عن وطن يتنفس الجمال لا يفلسفه

القاهرة ـ سارة درويش
تقول الروائية والقاصة المصرية رباب كساب، إن "أبطالها يبحثون عن الربيع الهارب منهم، وأبحث أنا عن وطن يتنفس الجمال لا يفلسفه لا يعرف الغدر ويدعي البراءة، وطن يحتملني حين أعشق".
التقى "العرب اليوم" الروائية رباب وكان معها هذا الحوار عن الوطن والأدب وأشياء أخرى..
* حضرتِ معظم المليونيات في التحرير، قبل التنحي وبعده، وتحاولين المشاركة في توعية الناس من حولك بالوضع السياسي القائم.. وفي الوقت نفسه تكتبين مقالات عدة عن الوضع السياسي الحالي لمصر.. هل هذا يعني أن " الكتابة وحدها لا تكفي" في رأيك كدور اجتماعي للأديب؟
- الكتابة لا تكفي لأن كل الناس لا تقرأ، اعتدنا منذ فترة طويلة على المعرفة السماعية من خلال التليفزيون والإذاعة، وباتت الوسائل تتبدل حتى صار بإمكانك الاشتراك في خدمة الأخبار لتأتيك رسالة قصيرة على موبايلك بالجديد، فما الداعي إذن لقراءة مقال أو البحث عن خبر مكتوب، لهذا أتحدث مع من حولي سواء في العمل أو غيره ممن تجمعني بهم الظروف، في محاولة لتقريب وجهات النظر، مع رغبة مني في فهمهم وفهم ما يريدون وبما يفكرون.

* هل ترين أن الأثر الاجتماعي للأدب في مصر يمتد ليصل إلى "العم صابر" و"الأسطى محمد"، أم أن تأثيره محدود في طبقة معينة، هي الطبقة المثقفة أو المُطَلِعة؟
- عم صابر والأسطى محمد هم هدف كل من يمسك بالقلم، لكنه هدف صعب في مجتمع ترتفع فيه نسبة الأمية، كما ترتفع فيه نسبة البطالة والفقر، فأيهما أولى شراء رغيف الخبز أم شراء كتاب أو صحيفة؟ كما أن بعض الكتاب يرتفعون بثقافتهم وأسلوبهم عن القارئ غير المتمرس، فيجد بينه وبين هؤلاء حاجزًا، ولا ألوم على الكاتب فالأمر أشبه بمعادلة إن اختل أحد أطرافها فسدت، فالكاتب يحب استغدام اللغة واللعب بها واستعراض موهبته فتختل منه المعادلة، فليس كل من يمسك كتابه قادرًا على استيعاب ذلك، فهناك قارئ يخرج من العمل بتسلية ومتعة، وهناك الباحث الناقد، وهناك من يخرج ويستنبط باحثًا عن إسقاطات أو توريات وهو قارئ متمرس.

* ما هو تقييمك للدور الاجتماعي للطبقة المثقفة في مصر قبل وأثناء الثورة؟
- مجتمعنا المثقف كان منعزلاً قبل الثورة، يعيش آلامه وحده وفي هالة ينسجها من معارفه العقلية والبشرية، قليل منه من كان يختلط بأوساط مختلفة أو شرائح مجتمعية مختلفة، وهذا ما أوجد الهوة الكبيرة بينهم وبين الشارع بعد الثورة فلا توجد لغة حوار مشتركة ولا أدوات توصيل مهمة تفيد رجل الشارع.
* هل فكرتي في كتابة رواية سياسية ؟
- لا أحب فكرة التصنيف رواية رومانسية أو اجتماعية أو سياسية، ثم إن كل جوانب الحياة خاضعة للسياسة بدءًا من الحب وحتى ملابسك، لو تحدثت في رواية عن حبيبين فرقهما الفقر فأنت بذلك تكتبين عن السياسة، لو تكلمت عن رغيف الخبز وأنبوب البوتاجاز وسوء حال المواصلات فهذه سياسة.
قد يكون سؤالك هل تفكرين بكتابة رواية أبطالها من العاملين بالسياسة؟ حينها أقول لك أتمنى ذلك .

* رباب أشعر أنك تعتزين كثيرًا بأعمالك الروائية، وكأنها الأقرب إلى قلبك من القصص هل هذا صحيح؟
- صحيح لأن الرواية بالنسبة لي حياة، رحلة جميلة في عالم من صنعي، لحظة أن أخط أول كلمة فيها تبدأ معي شهور حمل بكل آلامها وبكل أفراحها وخاصة حين تكتمل ملامح الشخصيات وتتضح اتجاهاتها بالضبط كالأم حين تشعر بدبيب حركة جنينها في بطنها، ولكن الأم تفرح حين يخرج وليدها وتسمع بكاؤه، أما حين أضع كلمة النهاية آذنة بانتهاء فترة الحمل والمخاض أشعر بوجع كبير لأن صلتي بتلك الحياة قد انقطعت وأن هؤلاء فارقوني ومضوا لحال سبيلهم، ولا يتجدد الشعور الحقيقي مرة أخرى بداخلي إلا بعد أن أبدأ رواية جديدة.
أما القصة فهي دائمًا ومضة تخرج مرة واحدة، وتنتهي لمحة من لمحات الحياة، وقليل جدًا هو عدد القصص التي كتبتها واستغرقت مني وقتًا طويلاً أو أيامًا .

* هل تتعمدين تجنب الذاتية في رواياتك؟
- لا يخلو عمل كتبته من بعض مني، ولكني أحاول فصل ذاتي تمامًا عن العمل مثلما فعلت بـ"مسرودة"، وحين تطرقت لنفسي في الفصول الثلاثة لم أجعلها شخصية رئيسية.

* البطلة في "مسرودة" وفي "قفص اسمه أنا"، خسرت كثيرًا على الصعيد الاجتماعي من أجل تحقيق طموحها في الحياة العملية.. هل تشعر رباب أنها خسرت اجتماعيًا كي تحقق طموحها ؟
- خسرت لكني أتجاوز دائمًا إحساس الخسارة بطعم النجاح.

* يحدث أحيانًا أن تتمي عمل روائي أو قصصي ثم تحكمي عليه بالسجن المؤبد خلف قضبان شاشتك وحدك، وتقرري عدم نشره.. فلماذا؟
- لإحساسي أنه لا يستحق النشر، كما أن لي أصدقاء يتابعون معي ما أكتبه أولا بأول، ويستشعرون معي مواطن القوة والضعف، وفي النهاية حين أجد أني أميل معهم لضعف العمل أتركه ولا ألتفت له، ثم أن هناك شعورًا قويًا يداهمني بمجرد الانتهاء من العمل أو قبل الانتهاء منه، بأن ذلك سيكون عملي المقبل.

* هل رباب بنفس قوة "صفاء" و "مسرودة "، قادرة على اتخاذ قرار يقلب حياتها رأسًا على عقب كي تحقق طموحها ؟
- هما مني.

* إقامتك بعيدًا عن العاصمة هل أضاف لكتاباتك أم أثر عليها؟
- بالطبع أضافت، الكاتب ابن بيئته في الأساس، مفرداتك موروثاتك ذكرياتك تدمجينها في داخل موضوعاتك حتى لو كنت تكتبين عن بلد آخر.

* في رأيك.. لماذا اختفت القرية من الأعمال الأدبية الحديثة؟
- لأنه لم تعد لدينا قرية يا عزيزتي، لم تعد القرية بمفهومنا عنها قديمًا، ما لدينا الآن أناس يعملون بالزراعة يسكنون حيزًا سكنيًا أو مجتمعًا صغيرًا يُسمى في علم المجتمع الريفي حسب تسميات الماضي قرية، بقى من القرية الزراعة، أما ما يظهر عمارات أسمنتية، أطباق استقبال يسهرون أمام ما تنقله ليلهم ويقضون معها غالبية نهارهم، أفران ومطاعم، إنترنت كافيه وأماكن لألعاب البلياردو والبلاي استيشن (معدش حد بيلعب سيجا) ولم يعد هناك فارق عن المدينة، بات مجتمع القرية المنتج مستهلكًا إلا من رحم ربي.

* الفعاليات الثقافية الحالية، حفلات التوقيع والندوات والصالونات الأدبية - في رأيك - هل تقدم إضافة "حقيقية" للثقافة في مصر؟
- حفلات التوقيع شكل دعائي حميمي، لأنه في الغالب يجمع أصدقاء الكاتب أكثر من جمهوره، أما الندوات والصالونات الأدبية بعضها يقدم إضافات حقيقية، والكثير منها لغو وملء فراغ الحياة الثقافية.

* هل فكرتي في الانضمام إلى جماعة أدبية؟
- لا ولم يخطر ببالي الانضمام أبدًا، أحب حريتي، لا أحب الالتزام بمواعيد إلتقاء الجماعة، ولا التقيد بهم كقراء ونقاد في الوقت ذاته، أحب أن أكون وحدي، وبعد أن أنهي عملي ألقي به على طاولة القارئ والناقد على حد سواء، أراد القراءة فمرحبًا، أراد النقد سأسعد كل السعادة.

* ما هو تقييمك لدور النقد الأدبي في الوقت الجاري؟
- تحت الصفر، لازلنا نفتقد نقادًا يتابعون زخم الإنتاج الغزير لشباب الكتاب، أعداد المشتغلين بالنقد قليل جدًا، أعذرهم أحيانًا لكثرة المنتج ومحاولة الفرز بين الغث الرديء والجيد، ولكني أفتقدهم.

*  يرى البعض أن إقبال الشباب على الإنترنت صرفهم عن القراءة والإطلاع، وبالتالي قلّ مستواهم الثقافي، في حين يرى آخرون أن الإنترنت خدم الثقافة كثيرًا وسهل انتشارها.. إلى أي الفريقين تنتمي رباب كساب؟
- قبل أن أدخل عالم الإنترنت كانت تسيطر علي فكرة أنه لا أحد يقرأ، لكني وجدت المنتديات الأدبية زاخرة بالآلاف من الشباب والكبار، ولأني كنت عضوة في كثير من المنتديات ومشرفة في بعضها فكنت دومًا ألتفت للأعداد وأقول في نفسي "معقولة كل دول بيقروا؟"، ووجدت مدونات ومواقع بها الكثيرين، وحين قامت الثورة عرفت في الشارع شبابًا يقرأ أخذ من الإنترنت وسيلة معرفة وشكل من أشكال التواصل وإزدياد حصيلة الفكر والمعرفة، ولا أظن أنه أفقدهم القراءة فهم يقرأون عليه أكثر مما لو مسكوا كتبًا.
وأتذكر في ليالي الاعتصامات بعد 8 حزيران/ يونيو، أني وجدت شبابًا يمسكون روايات وكتب يقرأونها على ضوء مصابيح الميدان، لازلت أثق في سحر الكتاب أيضًا.

* هل عوّض التواصل الإلكتروني ما تفتقدينه نتيجة بعدك عن العاصمة ؟
- عوضني كثيرًا جدًا جدًا، لكن نفسي التي لا تقنع إلا برؤية كل شىء رأي العين والحديث وجهًا لوجه، لا تجد غنى عن الذهاب إلى العاصمة التي أعشقها.

جدير بالذكر أن رباب كساب روائية وقاصة مصرية، وُلِدت في محافظة الغربية، في الأول من تشرين الأول/ أكتوبر 1977، صدر لها ثلاث روايات هي "قفص اسمه أنا" 2007 ، "مسرودة" 2009،  رواية "الفصول الثلاثة" عن دار الكتاب العربي في بيروت 2010 .

ليست هناك تعليقات: