تتلمذ في كتاب الشيخ "سمك"..وابرز نبوغا في المرحلة الإعدادية .
وفاة والده وظروف الاسرة المادية جعلاه يلتحق بالتعليم الصناعي ..ومن ثم عمل فني صيانة اللاسلكي
آخر كلماته "مصر تزخر بالموهوبيين ..لكنها تزخر اكثر بقاتلي الموهبة "
مغامرة : سارة درويش -رامين فوزي
"قحافة "..قرية صغيرة تبعد عن وسط مدينة طنطا قرابة 5 كيلو مترات , فهي واحدة من الاف القري التي تزخر بشتي صنوف البؤس والشقاء الإنساني في وطن وضع في ذيل قائمة اهتمامته مسمى أناس بسطاء ...وامام الموت لا فرق بين غني او فقير ..بين عالم وجاهل ...وشقي أو سعيد ..ومثلما يقول ابو العلاء المعري "من لم يمت بالسيف مات بغيره ..تعددت الاسباب والموت واحد ".
في هذه القرية البسيطة يرقد مفكر من ابرز مفكرى القرن العشرين الذي رحل في صمت فكأنما كان لرحيله إيذانا بتنفس الصعداء لدى النظام الحاكم . هنا يرقد الدكتور نصر حامد ابو زيد ...لا يعرفه هنا الكثيرون فالاغلبية من البسطاء مهمومون بلقمة العيش والسباق على مقعد داخل ميكروباص ..فلا مكتبة تحمل مؤلفاته ولا مدرسة عليها اسمه ..ولا هو واحد من جيل السياسات الذين أثقلوا رؤوسنا بعبارة "من اجلك انت ". أهالينا ..تتفرد بمغامرة داخل قحافة . المدينة التي رحل عنها صاحبنا –د.نصر حامد ابو زيد – غريبا ليحيا حياة صغيرة بربوع أوروبا فيشهد له أهل الفرنجة
بالعمق في التفكير ويجهله أهله الذين يرقد وسطهم برقاده الابدي ...نلتقي مع بائعات الخضار والسمك ..نسأل الجميع عن المفكر نصر حامد ابو زيد . التفت الينا واحدة وقالت لزميلتي رامين :"آه الدفنة اللى كان عليها لمة ...والله ياختي ما اعرف ده مين"....ورددت بائعة الخضار جملة "كله في التراب هو الدود بينقي "...واستوقفنا رجل بدراجة أرشدنا إلى الغفير لتبدأ من هنا المغامرة عندما وصلنا للمقابر سألنا " الخفير " عن قبر " نصر حامد أبو زيد " نظر إلينا بقلق لكنه دلنا على قبره .فلو لم نسأل لما وصلنا أبداً لأن القبر لم يوضع عليه شاهد الدكتور بعد !
حاولنا أن نعرف من الخفير معلومات عن الفقيد ، أو حتى عنوان بيته لكنه ادعى أنه لا يعرف أي شيء عنه . أثناء مغادرتنا للمقابر قابلنا بالصدفة إبن عم الدكتور نصر ، الذي رحب بنا واصطحبنا إلى منزل العائلة وهناك قابلنا " حامد أبو زيد " ابن شقيق الدكتور نصر ، والذي كان يعتبره ابنا له حيث كان مقيماً معه بالمستشفى أثناء مرضه . وبدأ ابن العم في الحديث عن الجانب الاسري قائلا :"وُلد الدكتور نصر حامد أبو زيد في العاشر من يوليو عام 1943 ، وكان ترتيبه الثاني في أسرته المكونة من ثلاثة شقيقات وشقيقين كان هو أكبرهما . تتلمذ في كُتاب القرية على يد الشيخ حسن سمك ، ثم التحق بالمدرسة الإبتدائية ثم المدرسة الإعدادية التي نجح فيها بتفوق يؤهله للإلتحاق بالثانوي العام لكن لظروف وفاة والده اضطر للإلتحاق بالمعهد الفني الصناعي قسم لاسلكي لأنه يوفر له عمل فور تخرجه . في هذه الفترة كان يؤم الناس في الصلاة في المسجد الكبير القريب جداً من بيتهم بحارة وسط البلد ، وبعد أن أنهى دراسته بالمدرسة الفنية الصناعية التحق بالعمل في مركز شرطة بالمحلة كفني لاسلكي ،
وانتقل وأسرته للمعيشة بالمحلة في منطقة المنشية . أثناء عمله كفني لاسلكي التحق بالمدرسة الثانوية ودرس أثناء العمل حتى التحق بجامعة القاهرة كلية الآداب قسم اللغة العربية . تزوج د/ نصر مرتين ، الأولى كانت أستاذة في جامعة القاهرة وكانت زميلته ، والثانية هي الدكتورة ابتهال يونس أستاذ الأدب الفرنسي بجامعة القاهرة أيضاً ، والتي أصرت على الاستمرار معه رغم صدور حكم من المحكمة بالتفريق بينهما ، وقد ظلت معه حتى وفاته ، -كانت موجودة في بيت العائلة بقحافة لكنها لم تقابلنا لظروف الوفاة وحزنها -. كان الدكتور نصر حامد أبو زيد دائماً ما يسافر في بعثات خارج مصر ، وفي عام 1995 غادر مصر للأبد وقد نوى ألا يعود أبداً لعدم رضاه عن أوضاع البلد ، وحزنه من الإضطهاد الفكري الذي تعرض له
.
لكنه عاد إلى مصر عام 2004 كي يزور شقيقه المريض ، الذي توفي عام 2006 . وعن أحلامه التي كان يتمنى تحقيقها في مصر قال لنا ابن شقيقه الأستاذ حامد أبو زيد أنه كان دائماً ما يحدثه عن أن الموهبين في مصر أكثر من الموهبين في أي دولة في العالم ، لكنهم لا ينالون حقهم أبداً ويتعرضون للإضطهاد ولمحاولة قتل موهبتهم . وكان يحلم باليوم الذي يرى فيه الموهوبين والنوابغ في مصر يتمتعون بما يستحقونه من تكريم ورعاية . سألنا عمن حضر جنازته من المثقفين ومن حضروا لقريته للعزاء فقال لنا لا أذكر بالظبط كل من حضروا لكن من أذكرهم هم د. جابر عصفور صديق طفولته ، وسعيد الكفراوي ود.حسن حنفي وسيد بحراوي .